الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نصف قرن على انقلاب حافظ الأسد: الحركة التصحيحية… ماذا صححت؟ 

نصف قرن على انقلاب حافظ الأسد: الحركة التصحيحية… ماذا صححت؟ 

14.11.2020
رياض معسعس



القدس العربي 
الخميس 12/11/2020 
في 16 تشرين الثاني-نوفمبر من العام 1970 قام وزير الدفاع حافظ الأسد بانقلاب تحت تسمية "الحركة التصحيحية" على "رفيقه" في حزب البعث، وفي اللجنة العسكرية، وابن طائفته: صلاح جديد، الذي كان قد انقلب هو نفسه على قيادات حزب البعث التاريخيين (ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، شبلي العيسمي.. ) في شباط -فبراير من العام 1966 تحت تسمية حركة 23 شباط. وقد أودعه الأسد السجن ولم يخرج منه إلا إلى فراش الموت. 
 
حكم العائلة الأسدية 
هذا الانقلاب قلب سوريا رأسا على عقب. إذ كان نقطة بداية التأسيس لحكم العائلة الأسدية كحكم وراثي ضمن نظام جمهوري عبر عنه بشعار"الأسد إلى الأبد". وتثبيت حكم العائلة قام على عنصرين أساسيين: أجهزة الأمن، وتطويف الجيش والمؤسسات. ثم السيطرة على حزب البعث (الحزب القائد) والتخلص من الرفاق القدامى، بالنفي، أو بالسجن، أو بالاغتيال. 
وقد نجحت هذه السياسة بإحباط كل المحاولات الانقلابية على نظام الـحكم التـي كان يـقوم بـها دائما عناصـر من الـجيش. 
خلال فترة السبعينيات، وهي فترة إرساء قواعد الحكم، اتسمت بصراع داخلي بين السلطة والإخوان المسلمين شهدت سوريا خلالها عمليات عديدة قام بها عناصر من الإخوان. 
على المستوى الإقليمي اشتراك الجيش السوري مع الجيش المصري في حرب 1973 ضد إسرائيل لاستعادة الجولان المحتل، لكنه لم يستطع أن يحرر شبرا واحدا رغم تقدمه في بداية الحرب، وتم فض الاشتباك في العام 1974 في مفاوضات ثنائية مع إسرائيل استعادت سوريا بموجبه مدينة القنيطرة، واحتفظت بالباقي (الذي شرعنت ضمه بموافقة الكنيست في العام 1981 ). 
بعد تهدئة الجبهة السورية ( التي بقيت هادئة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم) قام الجيش السوري في العام 1976 بالتدخل في لبنان بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية واصطف إلى جانب الجبهة اللبنانية (أحزاب الموارنة بقيادة كميل شمعون وبشير جميل) في حربها ضد المقاومة الفلسطينية بارتكاب مجزرة تل الزعتر، وضد الجبهة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط (الذي اغتيل من قبل عناصر تابعة للمخابرات السورية). 
 
مجزرة سجن تدمر 
وانتهت بعد ثلاثة عقود تقريبا بانسحاب الجيش السوري بقرار مجلس الأمن رقم 1559 فماذا قدم هذا التدخل لسوريا، وماذا قدم للبنان، سوى بث الفرقة بين اللبنانيين والسوريين، وتورط المخابرات السورية في اغتيالات عديدة لسياسيين، وصحافيين، واعتقال آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، والوقوف في خندق إسرائيل ضد الفلسطينيين، والقوى الوطنية (مجزرة صبرا وشاتيلا شاهدة على ذلك) وتقوية حلفاء إيران ( حركة أمل وحزب الله الذي يقف اليوم إلى جانب النظام في قتل الشعب السوري؟). بعد دخول مصر السادات في سياسة التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها، قام النظام السوري بتشكيل ما سمي بـ "جبهة الصمود والتصدي" التي بقيت شعارا على ورق، كشعار" التـوازن الاسـتراتيجي" مع إســرائيل. 
فترة الثمانينيات بدأت بمجزرة سجن تدمر (راح ضحيتها حوالي ألف سجين سياسي معظمهم من الإخوان المسلمين قتلـوا بدم بارد) والتي قام بـها شقيق حـافظ الأسد، قائد سرايا الدفـاع رفعـت الأسـد ردا على محـاولة اغـتيال أخـيه الفاشـلة. 
وانتهت المواجهة مع الإخوان في مجزرة حماة (في العام 1982التي راح ضحيتها حسب عدة مصادر حوالي 40 ألف قتيل وكان الأسد يحتفل بهذا الانتصار وجعله علامة تاريخية تدرس في المدارس). 
في العام نفسه قامت إسرائيل باحتلال بيروت، في الوقت الذي انطلقت فيه ألعاب كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا، في تلك الأثناء اندلعت الحرب العراقيةـ الإيرانية حيث وقف النظام إلى جانب إيران ضد العراق (وكان حزب البعث في السلطة في كلا الدولتين) واليوم تحتل إيران أجزاء من سوريا وميليشياتها تقتل السوريين بعد أن استنجد النظام بها لمواجهة الثورة التي اندلعت في العام 2011. 
في العام 1984 تعرض حافظ الأسد لمرض كاد يودي بحياته، فاستغل الأخ (رفعت) حالة أخيه المرضية لينقلب عليه، لكن المحاولة فشلت، ونفى الأخ أخاه مع ثروته الفلكية إلى أوروبا حيث يحاكم اليوم بسبب تبييض الأموال في فرنسا، وإسبانيا. 
ثلاثة أحداث كبرى في تسعينيات القرن الماضي طبعت تغيرات في النظام السوري: 
أولا: سقوط الحليف القديم لسوريا (منذ عهد جمال عبد الناصر) الاتحاد السوفييتي. 
ثانيا: حرب الخليج بعد احتلال العراق للكويت (عاصفة الصحراء). 
ثالثا: وفاة الوريث باسل الأسد. 
تجلى التحول في الاشتراك في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد النظام العراقي تقربا منها، كي يضمن استمرارية دعمها له في لبنان، والحفاظ على نظامه، وابتزاز دول الخليج. لكن الصدمة الكبرى في نهايات حياة الأسد هي وفاة وريثه الأول باسل في حادث سير، فكان لابد من تقديم بشار كوريث ثان، وهنا تتأكد أكثر مأسسة "الجملكية الأسدية" التي تجلت بعد وفاته بتعديل الدستور السوري خلال نصف ساعة من قبل برلمان "المصفقين" ليكون على مقاس عمر الشاب " الطبيب " القادم من عاصمة الضباب على عجل لتبوؤ حكم سوريا خلفا لأبيه. 
 
ربيع دمشق 
الوريث الجديد بشار الذي استبشر به السوريون خيرا أخاب ظنهم سريعا عندما أجهض بقمع مخابراتي أول حركة إصلاحية تمثلت بربيع دمشق، وتشديد قبضته الأمنية بإحاطة النظام برجال جدد بعد أن تخلص من عدد من رجالات الحرس القديم. وتمكين العائلة من السيطرة أكثر على الجيش، والأمن، والأعمال والمال. 
وجاءت الثورة السورية كانتفاضة شعب طفح به الكيل من ظلم، وتعسف، وبطش، وفساد نظام بعد أربعة عقود من الحكم الفردي. فكانت النتيجة أن نظام الوريث لم يكن أفضل من نظام المورث، الذي أدخل سوريا في نفق مظلم طويل، ونكل بشعبها، وسحقه حتى العظم، وهجر نصفه، وأفقره إلى ما دون المدقع، وجلب كل شذاذ الآفاق لإنقاذ نظامه المتهاوي، ليعلن انتصاره على شعبه كما كان يفعل مورثه، وعلى تدمير سوريا بعد نصف قرن من "الحركة التصحيحية".